ونحن نحتفل بالذكرى التاسعة والأربعين لحرب أكتوبر 1973, يشعر كاتب هذه السطور بالفخر أنه كان جنديًا فى جيش مصر يؤدى واجبه الوطنى، ويزداد هذا الشعور ويعلو حين يتيح القدر له أن يشارك فى حرب أكتوبر 1973م المجيدة، ويكون ضمن القوات التى عبرت قناة السويس من بعد ظهر يوم السبت الموافق السادس من أكتوبر 1973م.
ومن هنا يمكن أن نحكى فصولا من قصة الانتصار العظيم من خلال سبعة مشاهد رئيسة فقط وتتبقى مشاهد أخرى لا يتسع المقام لعرضها مثل مشهد (حرب الاستنزاف) ومشهد (ملحمة حائط الصواريخ) ومشهد (خطة الخداع الاستراتيجى السياسى والعسكرى) ومشهد (التضامن العربى الرائع الفعال) وغيرها.
المشهد الأول (الافتتاحي) ويظهر فيه الرئيس محمد أنور السادات مرتديا بزته العسكرية كقائد أعلى للقوات المسلحة المصرية وهو يلقى بيان الانتصار فى مجلس الشعب فى السادس عشر من أكتوبر 1973م فيقول: إن التاريخ العسكرى سوف يتوقف طويلًا بالفحص والدرس أمام عملية يوم 6 أكتوبر 73 حين تمكنت القوات المصرية من اقتحام مانع قناة السويس الصعب، واجتياح خط بارليف المنيع، وإقامة رؤوس جسور لها على الضفة الشرقية من القناة بعد أن أفقدت العدو توازنه فى ست ساعات.
المشهد الثانى (النكسة): وقد صوره المشير محمد عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة إبان الحرب– والذى أطلقت عليه جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل وقتها النحيف المخيف – حين قال: انتصرت علينا إسرائيل فى يونيو 1967م لأخطاء ارتكبناها وليس لعمل غير عادى قامت به.
المشهد الثالث (الغطرسة) أبطال هذا المشهد من قادة إسرائيل، فيظهر بن جوريون رئيس وزراء إسرائيل السابق على جولدا مائير ليقول: إذا عبر المصريون القناة فإن مصيرهم سيكون مثل مصير جيش فرعون، وتؤدى جولدا مائير دورها حين تقول لهنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى آنذاك: أعطنى فقط 24 ساعة لكى يتمكن جيش الدفاع الإسرائيلى من حل أزمة المساكن والمواصلات فى مصر فسنلقى بجيشها فى قناة السويس، ثم يظهر فى الكادر دافيد اليعازر رئيس الأركان الإسرائيلى ليؤكد كلمات الغرور وعبارات التيه والخيلاء سنسحق عظام المصريين سحقًا، ويختتم هذا المشهد موشيه دايان وزير الدفاع الإسرائيلى الأشهرالذى سكت صورته على ميداليات من ذهب فى هولندا واكتسحت أوروبا منذ يونيو 1967م ليقول فى سخرية واستهزاء بالغين: طالما لنا جنود إسرائيليون، والعرب هم أعداؤنا وقناة السويس حدودنا الآمنة فكل شيء على ما يرام، ويستطرد: ليس أمام المصريين أدنى فرصة، إنهم فقط يستطيعون أن يحاربوا أفضل إذا ما حصلوا على طيارين ألمان.
المشهد الرابع (الانكسار بعد وقوع الزلزال) وفيه تعاود جولدا مائير الظهور لكن بشكل مغاير تمامًا وبملامح حزينة ونراها تصرخ: انقذونا من الطوفان المصرى، متوسلة للولايات المتحدة الأمريكية، وقد طورت جولدا مائير أداءها لتكتب فى كتابها (حياتى): ليس أشق على نفسى من الكتابة عن حرب أكتوبر 1973م فقد كانت كارثة ساحقة وكابوسًا عشته بنفسى وسيظل باقيًا معى على الدوام…ولن أعود مرة أخرى نفس الإنسان الذى كنت عليه قبل حرب أكتوبر، كما كتبت أيضا: لم يفكر أحد فى أن الحرب وشيكة الوقوع. وتعبير الزلزال هو وصف قادة إسرائيل ومثقفيها ومحلليها السياسيين لما أحدثه العبور العظيم.
المشهد الخامس (الفخار) الدور الرئيس هنا الذى يضاف إلى سابقه مباشرة يقوم به الجنود المصريون، وأراهم يقفون فخورين مزهوين بما قاله نابليون بونابرت: لو كان عندى نصف هذا الجيش المصرى لغزوت العالم, أو ما كتبه كلوت بك الفرنسي: ربما يعد المصريون أصلح الأمم لأن يكونوا من خير الجنود لأنهم يمتازون بقوة الأجسام وتناسق الأعضاء والقناعةوالقدرة على العمل وتحمل المشقة، ومن أخص صفاتهم العسكرية الامتثال للأوامر العسكرية والشجاعة والثبات عند الخطر والتذرع بالصبر فى مواجهة الخطوب والمحن.
ويختتم هذا المشهد بجملة على الشاشة قالها نابليون الثالث بعد حرب المكسيك: قبل أن تصل الكتيبة المصرية إلى المكسيك لم نحظ بانتصار واحد، وبعد أن وصلت لم نمن بهزيمة واحدة.
المشهد السادس(إغراق إيلات) العام 1967م, وبالتحديد يوم 21 أكتوبر – أى بعد ثلاثة أشهر فقط من النكسة – فنشاهد المدمرة الإسرائيلية (إيلات) درة القطع البحرية الكبرى فى الأسطول الإسرائيلى وهى تمخرعباب البحر المتوسط أمام سواحل مدينة بورسعيد وتخترق المياه الإقليمية لمصر فيفاجئها أبطال البحرية المصرية بصاروخين من زوارق الصواريخ (سطح سطح) فيصيبانها فى مقتل فتميل على جنبها ثم تغرق فى أعماق البحر، وكانت هذه العملية التى غيرت كثيرا من تكتيكات وأساليب المعارك البحرية وبالذات مواجهة القطع البحرية الصغيرة لتلك الكبيرة، صفعة على وجه البحرية الإسرائيلية، وغدا يوم 21 أكتوبر من كل عام يُعَد عيدًا سنويًا للبحرية المصرية.
المشهد السابع (سماء المنصورة) وفيه تمتلئ هذه السماء بأكثر من 150 طائرة من الجانبين المصرى والإسرائيلى لنرى واحدة من أكبر المعارك الجوية فى التاريخ (30 أكتوبر 1970م) وقد استمرت أكثر من 50 دقيقة انتهت بإسقاط أكثر من عشرين طائرة إسرائيلية، وكان حقًا نصرًا عظيمًا لنسور مصر مما حدا بالقوات الجوية المصرية إلى اعتماد يوم 30 أكتوبر من كل عام عيدًا سنويًا لها.
قم بالتسجيل مجانًا وكن أول من يتم إعلامك بالمنشورات الجديدة.