أثارت عملية طوفان الأقصى وتداعياتها ومجريات الحرب الهمجية التى تشنها القوات الإسرائيلية على قطاع غزة بعد دخولها الشهر الخامس، موجة جديدة من الانتقادات التى تطفو بين الوقت والآخر نتيجة لأحداث ومواقف ونزاعات واجهتها منظمة الأمم المتحدة، وقد تباينت الكتابات والتحليلات فى انتقاداتها تلك وانتشرت تعبيرات الأزمة والمأزق، والتقاعس والتقصير، بل وسبقها منذ فترة تعبير إحالة الأمم المتحدة إلى التقاعد!!، وتركزت معظم تلك الكتابات والتحليلات حول أداء المنظمة لدورها ومدى كفاءتها فى ذلك وخصوصا فعالية مجلس الأمن الفرع الرئيس فيها المسئول عن حفظ السلم والأمن الدوليين.
وفى مجمل الأمر وجهت سهام الانتقاد اللاذعة وأصبحت المنظمة الدولية العالمية الوحيدة التى نملكها متهمًا بالفشل فى القيام بدورها الذى توخاه مؤسسوها عام 1945.
وهنا سأنحو نهجًا آخر مقتضاه عرض سمات وصفات المتهم الذى يحاكم شارحًا التطورات بشأنه: مولده وتاريخه ومسئولياته وتصرفاته ومواقفه لأثبت للمحلفين ومن ثم للقاضى أن (المتهم) الماثل أمامهم (منظمة الأمم المتحدة) غير مذنب، مطالبًا بإعلان براءته وإخلاء سبيله ليمارس دوره فى حدود إمكاناته.
هذا المسلك فى العرض مرده أن أخرج نفسى – كباحث- عن دائرة الفريق الذى لا يؤمن بالتنظيم الدولى أسلوبًا ناجحًا من أساليب التعاون الدولى ويفضل عليه إما سياسة القوة أو سياسة العزلة، وكذلك عن الزمرة المثالية التى ترى فى الأمم المتحدة نواة المعمورة الفاضلة التى تصورها الفارابى أو البرلمان الدولى الذى خطط له وليم بن أو حتى الاتحاد الفيدرالى الذى شغف به سوللى وغيرهم من أنصار التنظيم الدولى، واعتبار الأمم المتحدة خطوة نحو الحكومة العالمية فى عالم شعاره: الأرض أم الكل لا وطن هنا، ولا شعب هناك، بل اتخذ موقفًا واقعيًا يعتمد الوثائق الدولية حججًا قوية وأحكامًا كاشفة، فحواه التحديد الدقيق لماهية هذه المنظمة المتهم، وذلك على النحو التالى:
ميثاق الأمم المتحدة ذاته يمثل معاهدات دولية أفرزتها موازين القوى العالمية لحظة إبرامها، وهو يعبر عن رؤية التحالف المنتصر فى الحرب العالمية الثانية لما يجب أن يكون عليه التنظيم الدولى فى مرحلة ما بعد الحرب. وتمثل منظمة الأمم المتحدة، بعالميتها وشمول اختصاصاتها وطبيعة أجهزتها، تنظيمًا دوليًا متقدمًا عن كل ما سبقه، وقد دفعت بالتنظيم الدولى إلى مدى غير معهود ورسخت فكرة المنظمة الدولية العالمية كإحدى أهم أدوات العصر لحكم العلاقات الدولية بحيث لم يعد القانون الدولى قانون الدول فحسب بل أصبح أيضًا قانون المنظمات الدولية.
ومنظمة الأمم المتحدة أداة تنظيمية فى المجتمع الدولى ابتدعها عقل رجل السياسة الذى شهد البديل الوحيد لها فى حمأة الحرب العالمية الثانية بكل ويلاتها وفظائعها وما جرته على البشرية، إنها بدعة من صنع الدول وليست كيانًا فوقيًا فإذا لم ترتفع الدول إلى مستوى الآمال التى أطلقتها وضمتها الميثاق فما ذنب المنظمة التى تشكل إطارًا، مجرد إطار.
كما أن منظمة الأمم المتحدة- فى ظل نظام سياسى دولى قائم على أساس السيادة المطلقة - للدول ليست أكثر من وسيلة اتصال وأداة تنسيق، ومع ذلك تؤدى وظيفة مفيدة فى النظام الدولى المعاصر حتى وإن كانت مجرد مرآة تعكس الأوضاع القائمة فى العالم، وخصوصًا فى مجال حفظ السلام وتحقيق الرفاهية. ومقر الأمم المتحدة بنيويورك يمثل مكانًا واحدًا يمكن لدول العالم أجمع أن تلتقى فيه وتناقش المشكلات القائمة وتتباحث فى شأن إيجاد حلول لها على ضوء مبادئ الميثاق الذى تعهدت الدول الأعضاء بالمحافظة عليه.
وقد نصت المادة الثالثة والعشرون (23) من الميثاق على تأليف مجلس الأمن، حيث يتألف من خمسة عشر عضوًا من الأمم المتحدة، وتكون جمهورية الصين، وفرنسا، واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، والمملكة المتحدة لبريطانيا وأيرلندا الشمالية، والولايات المتحدة الأمريكية، أعضاء دائمين فيه، وتنتخب الجمعية العامة عشرة (10) أعضاء آخرین من الأمم المتحدة ليكونوا أعضاء غير دائمين فى المجلس.
أما عن التصويت فقد نصت المادة السابعة والعشرون فى فقرتها الأولى (27-1 ) على أنه يكون لكل عضو من أعضاء مجلس الأمن صوت واحد. ونصت نفس المادة فى فقرتها الثانية (27-2) على أن: تصدر قرارات مجلس الأمن فى المسائل الإجرائية بموافقة تسعة (9) من الأعضاء، وتجىء الفقرة الثالثة من ذات المادة ( 27-3) لتنص على تصدر قرارات مجلس الأمن فى المسائل الأخرى كافة بموافقة تسعة من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين ...
تمثل مسألة تعديل الميثاق بُعدًا مهمًا فى الحديث عن التغيير من أجل أداء أكثر فاعلية للأمم المتحدة، وبمراجعة ميثاقها نجد المادة(109) فى فقرتها الأولى تحدد طريقة وأسلوب ذلك التعديل حيث تنص على: يجوز عقد مؤتمر عام لأعضاء الأمم المتحدة بغرض إعادة النظر فى الميثاق الحالى يمكن أن يعقد فى موعد ومكان يحدد بواسطة أصوات ثلثى أعضاء الجمعية العامة وبموافقة تسعة من أعضاء مجلس الأمن. ويكون لكل عضو فى الأمم المتحدة صوت واحد فى المؤتمر.
وتنص الفقرة الثانية من نفس المادة على: كل تغيير فى هذا الميثاق أوصى به المؤتمر بأغلبية ثلثى أعضائه يسرى إذا صدق عليه ثلثا أعضاء الأمم المتحدة ومن بينهم الأعضاء الدائمون فى مجلس الأمن وفقا لأوضاعهم الدستورية.
إذن الأمر منوط فى النهاية بموافقة كل الدول الدائمة العضوية فى مجلس الأمن والتى يملك كل منها حق الاعتراض أو الفيتو كما سبق وأشرنا.
> كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة
قم بالتسجيل مجانًا وكن أول من يتم إعلامك بالمنشورات الجديدة.