مقالة تصنيف عام

الأهمية الجيوإستراتيجية لشبه جزيرة سيناء

هناك بقاع فى العالم لها شهرة فى التاريخ اكتسبتها لأهمية موقعها الجغرافى ومنها سيناء فقد حازت منذ القدم مكانتها المعروفة لأسباب دينية وتاريخية وإستراتيجية وبشرية معًا فسيناء كانت معبرا للهجرات البشرية والقوافل التجارية وطريقًا للحج فضلًا عن الأهمية التى حازتها من وقوعها فى قلب الشرق الأوسط بالإضافة إلى ما لها من مكانة دينية سامية فى قلوب اليهود والمسيحيين والمسلمين على السواء.

سيناء هى المدخل الشرقى لمصر وهى المعبر الذى يصل إفريقيا بآسيا ومصر بالمشرق العربى مباشرة، وإذا كان لمصر أطول تاريخ حضارى فإن لسيناء أطول سجل عسكرى معروف فى التاريخ تقريباً.

ولقد أدركت مصر منذ القدم حقائق الإستراتيجية الصحيحة وقواعد الدفاع السليمة عن وجودها حين أدركت أن الهجوم خير وسيلة للدفاع، فمنذ خيتا والحيثيين على الأقل ومصر تعرف أن الشام هو خط دفاعها الأول وأن مصيرها تاريخيا وجغرافيا مرتبط عضويا بمصير الشام، ومن هنا كانت سيناء محصنة دائما تحصينا أساسيا ومن هنا أيضا كانت مصر تسارع إلى ملاقاة أعدائها خارج سيناء فتنقل المعركة إلى بر الشام.

إن من بين حدود مصر الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية تحتل الأولى مكان الصدارة فتمثل الركن الإستراتيجى الأول فى معادلة الدفاع عن الوادى، وهى تتمثل فى سيناء والبحر الأحمر، حقيقة لقد تعرضت مصر لبعض الغزوات من جهة الغرب، وثار قدر من المنازعات حول حدودها الجنوبية، فضلا عن أن حدودها الشمالية – البحر المتوسط – اتخذت نقطة ارتكاز وقاعدة لعدد من الغزوات عن طريق البحر، لكن تبقى دائما الحدود الشرقية هى مصدر الخطر الدائم عبر التاريخ ومن هنا كان اهتمام مصر الإستراتيجى الأول متعلقا بهذه الحدود على مر العصور.

وقد وعت مصر منذ القدم أن حدودها الطبيعية تبدأ من خارجها فى فلسطين وفى برقة، بينما لا يقل نطاق الأمن من حولها عن الشرق الأوسط تقريبا، ومن هنا توسعت الإمبراطورية إلى حدودها القصوى كلما أمكنها ذلك لنشر السلام المصرى والتاريخ يسجل أن أغلب معارك مصر الحاسمة إنما تمت على أرض الشام ابتداء من مجدو تحتمس إلى حطين صلاح الدين إلى مرج دابق قنصوه الغورى، وعلى العكس انتهت أغلب المعارك الدفاعية التى تمت على أرضها إلى معارك خاسرة ابتداء من ريدانية طومان باى الدفاعية إلى أهرام نابليون، ومن هنا كان الإحساس دائما بالصحراء الشرقية وسيناء كدرع واقية ضد الغزوات ثم مصدر الخطر الرئيسى على الوطن.

وحقيقة الأمر أن أهمية سيناء لا تعود لمصر وحدها ولكن للعروبة بعامة، ويرجع هذا المصير المشترك إلى الوضع الجيوبوليتيكى الخاص بمصر فى خريطة العالم العربى والذى يرجع قبل كل شىء إلى سيناء التى تربط المشرق العربى بالمغرب العربى وإلى قناة السويس التى تصل ما بين العالم النامى المتقدم والعالم الآخذ فى النمو .

وإذا كان الوزن السياسى لإقليم ما يتحدد بالعلاقة بين عاملين هامين هما الموقع الجغرافى وموارد الإقليم الداخلية (الأرض والسكان )، وأن للموقع الجغرافى أهميته الحيوية فى إطار العلاقات المكانية والمواقع النسبية الخارجية، نجد أن الناحية الجغرافية منطقة فصل فهى من الناحية الأخرى منطقة وصل، بمعنى أنها منطقة فصل ووصل جغرافيًا وتاريخيًا ، فسيناء هى حلقة الاتصال بين مصر والمشرق العربى وهى مدخل مصر الشرقى، وإذا كانت مصر برمتها وحدة جيوإستراتيجية واحدة فإن لكل جزء من أجزائها قيمته الإستراتيجية المتميزة . يحفظ الله مصر شعبًا وإقليمًا وحدودًا.

> الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية


اشترك في نشرتنا الإخبارية

قم بالتسجيل مجانًا وكن أول من يتم إعلامك بالمنشورات الجديدة.