شغلت مسألة القطاع غير الرسمى وتشغل بال الكثيرين من المسئولين والخبراء والباحثين الاقتصاديين، خاصة بعد تنامى حجم هذا القطاع بدرجة كبيرة، والواقع أنه قطاع مهم قادر على المساهمة فى التنمية والمساعدة فى إنجاح جهود الإصلاح،ويمكن تعريفه بصفة عامة بأنه يعنى ويشمل أنشطة توليد الدخل صغيرة الحجم، غير المسجلة قانونًا، ولا تخضع لمعايير الجودة القانونية أو الحد الأدنى الأدبى للأجور والتأمينات، وفى الغالب لا يدفع ضرائب.
ولعل ما قد يساعد فى التعرف على ماهية هذا القطاع غير الرسمى هو مراجعة عدد من المسميات التى تطلق عليه مثل: الاقتصاد الخفى، الاقتصاد السرى، القطاع غير المنظم، الاقتصاد الأسود، الاقتصاد الموازى، الاقتصاد التحتى، اقتصاد الظل. وغيرها، ولعل أطرفها اقتصاد بير السلم كناية عن سمات التدنى فى بيئة أعماله.
وتتعدد مجالات عمل وظهور وتواجد هذا القطاع فى مصر: القطاع الصناعي– الباعة الجائلون – سوق الأموال المدفوعة دون مقابل –التعليم – النقل والمواصلات – سوق الدولار – الإسكان – العمل دون تسجيل رسمى داخل القطاع، ومن ثم هو يوفر سلعًا وخدمات ضرورية لفئة واسعة من السكان، ويستخدم نسبة كبيرة من قوة العمل الحضرية، وهو حقل للتدريب على إدارة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وأخيرًا فإنه يمثل ملاذا للتوظيف بعد إنكماش قدرة القطاع الرسمى على توليد فرص عمل جديدة لأسباب عديدة فى مقدمتها مقتضيات برامج التكيف الهيكلى أو الإصلاح الاقتصادى بصفة عامة.
ويقدر المسئولون والخبراء المعنيون بهذه المسألة حجم القطاع بنحو 400 مليار دولار وبما يمثل قرابة 35% من حجم الاقتصاد، ويعمل به 40% من القوة العاملة وأن العقارات و»تجارة التجزئة أبرز مجالات نشاط منشآت هذا القطاع غير الرسمي.
ويؤكد هؤلاء المسئولون والخبراء المتخصصون أنه لو تم مد مظلة الدولة لتضم تحتها هذا القطاع سيتحقق تخفيض فى عجز الموازنة ومعدلات التضخم والبطالة وهى أول المكاسب إذ يضاف إلى ذلك تعديل المؤشرات المرتبطة بهذا القطاع وتغيير نظرة المؤسسات الدولية واستكمال مراحل الإصلاح وزيادة الناتج المحلي.
هذا القطاع عانى كثيرًا من الإهمال رغم ما يتمتع به من إمكانات سواء من حيث عدم الاعتراف به أو مساعدته بل وأحيانًا كثيرة مطاردة السلطات لبعض مجالات عمله، وهى أمور تحد من كفاءته وتنتقص من ديناميته وقدراته، لكن ما يبعث على التفاؤل والطمأنينة حقيقة هو التوجه الحميد للحكومة فى مصر نحو الاعتراف بأهمية هذا القطاع كقطاع حقيقى وإدراك حاجته للمساعدة لرفع طاقته الانتاجية وتحسين شروط العمل به، وما إلى ذلك من أمور الجودة بل هناك سعى لتجسيد تصور دقيق مقتضاه العمل على دمج هذا القطاع غير الرسمى بعد تطويره.
ويعانى هذا القطاع غير الرسمى أساسا من مشكلات عديدة من الضرورى التعامل معها لتحقيق التطوير المنشود وتسهيل إدماجه فى الاقتصاد الرسمى إذا ما استقر الرأى على ذلك، أهمها دون ترتيب: انخفاض مستويات التكنولوجيا المستخدمة. ضعف بنية رأس المال، ومن ثم إنخفاض هوامش القيمة المضافة والربحية. الافتقار إلى تطبيق معايير التوحيد القياسى وضبط جودة الإنتاج. عدم تسجيل منشآته وأنشطته فى السجلات الرسمية للدولة. الطابع الفردى لمؤسساته. تدنى القدرة على إدارة المشروع الخاص. صغر الحجم من حيث نطاق الإنتاج وعدد العمال. تنفيذ معظم الأعمال يدويا. افتقار معظم العاملين فيه إلى المهارات المهنية المناسبة. انخفاض الأجور, وأخيرًا نقص المعلومات الضرورية عن السوق والمنافذ التسويقية.
والتعامل مع هذا القطاع تجسده وجهتا نظر ترى الأولى أن يترك على حاله دون مزيد من الضغوط مع توفير المناخ المناسب للتخلص من آثاره السلبية نظرا لأهميته للمجتمع، بينما تذهب وجهة النظر الثانية إلى ضرورة العمل على دمجه فى الاقتصاد الرسمى وتوفير الحماية الاجتماعية والصحية والتأمينية للعاملين به وغير ذلك من إجراءات وسياسات وبرامج تهدف إلى رفع كفاءته. وفيما يلى أهم المقترحات المطروحة إجمالًا: إنشاء هيئة عليا خاصة بالقطاع غير الرسمي. تخطيط إستراتيجيات للاتصال مع العاملين فى هذا القطاع. تنظيم الحوافز وضمانات الدمج. تقديم خدمات الدعم الفنى للقطاع. توسيع نطاق مصادر حصول مشروعات وأنشطة هذا القطاع على التسهيلات الائتمانية، وذلك من خلال إرساء آليات مؤسسية مالية بديلة، وهناك نماذج يمكن الاقتداء بها مثل تجربة بنوك الشعب فى نيجيريا، وجمعيات الادخار والاقتراض الجماعى فى كينيا. تطوير آليات جمع البيانات الضرورية عن القطاع. تطبيق سياسات وهياكل خدمية معينة تمكن القطاع من المساهمة فى تكوين الثروة الوطنية دون عقبات. توفير أطر مؤسسية تمكن القطاع من توصيل آرائه والتعبير عن حاجاته للحكومة. إرساء نظام المقاولات من الباطن لتعزيز الاحتكاك بالقطاع الرسمى وتحديد مجالات خاصة لأعمال القطاع غير الرسمى ذات صلة بالقطاع الرسمي. تطوير برامج التدريب على المهارات المهنية والبرامج الخاصة بإدارة المشروعات. إتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لإدماج القطاع فى خطط التنمية الوطنية.
ونختم مقالنا هذا بفكرة مهمة تلخص كل المسألة قال بها الخبير الاقتصادى د. أحمد جلال وهى أنه إذا كان من المعروف أن أى إصلاح اقتصادى يصب فى مصلحة بعض المواطنين على حساب البعض الآخر فإنه استثناء من هذه القاعدة تبدو قضية إدماج القطاع غير الرسمى صفقة ناجحة نادرة يعود فيها النفع على جميع الأطراف.
قم بالتسجيل مجانًا وكن أول من يتم إعلامك بالمنشورات الجديدة.