نظرًا للأهمية الإستراتيجية للدور الذى تقوم به الحكومة فى عملية التنمية المستدامة والارتباط الوثيق بين السياسات العامة والجهاز الإدارى المنوط به تنفيذها, يصبح موضوع تعزيز السلوكيات الأخلاقية وتفعيل آليات مكافحة الفساد الإدارى من الموضوعات المهمة الجديرة باستمرار وتطوير البحث والدراسة بشأنها.
ولقد قيل فى هذا السياق ان الإنسان هو مرتكب الفساد وهو ضحيته عبر التاريخ. ومع تعدد تعريفات الفساد الإدارى فإنها تشير- بصفة عامة وفى نهاية الأمر- إلى سوء استخدام المنصب الرسمى أو الحكومى من أجل التربح أو استخدام الموارد العامة لتحقيق مكسب شخصى. ومن المهم ابتداءً عدم التوقف عند حدود الفساد المالى أو الرشاوى للاستيلاء على الأراضى أو تجاوز الحصص أو التغاضى عن المخالفات وماشاكل ذلك، فالفساد الإدارى أبعد من هذا ذلك أنه يتضمن مع ما تقدم: المحسوبية- عدم تكافؤ الفرص- إهدار المال العام فيما لا يعود على المصلحة العامة بالفائدة - سوء أداء العمل التنفيذي- تضخم الإنفاق غير الرشيد- الإمساك عن اتخاذ القرار الصحيح المطلوب- الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية- الاستمرار فى الاحتفاظ بكوادر إدارية سيئة أو على الأقل غير كفوءة.. كل ذلك وغيره من صور الفساد الإدارى أو البيروقراطى.
إذن لا بد من البحث عن آليات شاملة ومتعددة وناجحة للتصدى لهذه الظاهرة، ومن ثم نتوقف هنا عند أحد الأدوار المهمة فى مجال مكافحة هذا الفساد وهو الخاص بالمواطن وبالتحديد باعتباره عضوًا فى منظمة إدارية، والمنطلق هنا المقولة المهمة أن الشريك الدائم فى جريمة الفساد هو التجاهل أو اللامبالاة من الأفراد والمجتمع، ومن ثم نطالب مواطنينا الذين يعملون فى الأجهزة الإدارية بأن يسارعوا إلى قرع الجرس أو النفخ فى الصفارة حين يشاهدون عملًا من أعمال الفساد الإدارى أو سلوكا منحرفا أو حتى توقع مثل هذا العمل أو ذلك السلوك،فإن كثيرا من وقائع الفساد يمكن خنقها فى مهدها فى حالات كثيرة فالناس الذين يلاحظون أولا وجود سوء تصرف هم على الأرجح أولئك الذين يعملون هناك ومع ذلك فإن الثقافة السائدة داخل مكان العمل هى ثقافة تردع الموظفين عن التعبير عن رأيهم بحرية. إن الموظفين يقفون فى موقع ملائم لقرع الجرس أو نفخ الصفارة، لكنهم غالبا ما يخافون من فقدان وظائفهم وتنفير أصدقائهم فى العمل إذاهم فعلوا ذلك، ويصدق هذا خاصة عندما يصبح الموظف الصغير على علم بالسلوك الفاسد لرؤسائه.
والموظفون الذين يطلعون على سوء التصرف داخل منظماتهم يواجهون أربعة خيارات: أن يظلوا صامتين. أن يلفتوا الانتباه من خلال إجراء داخلى. أن يلفتوا انتباه هيئة خارجية. أن يكشفوا عن الأمر لوسائل الإعلام.
وما لم تكن الثقافة السائدة فى مكان العمل من ذلك النوع الذى يسمح للموظفين بالتعبير عن أنفسهم دون وجل، فإن كل خيار سيبدو مصدرًا لنتائج عكسية بالنسبة للمديرين والموظفين وبالنسبة للجمهور الأوسع (بمن فى ذلك المساهمون ودافعو الضرائب ومتلقو الخدمات).
ونظرا لأن جميع الخيارات غير مريحة، فإن الخيار الذى سيأخذ به معظم الموظفين هو إهمال الأمر أى اغماض العين عن سوء التصرف، وأن يلوذوا بالصمت باعتباره الخيار الأسلم الذى يمارسه الناس أكثر من غيره، وما يؤسف له أن هذا يترك الباب مفتوحا لحدوث المزيد من سوء التصرف بلا رقيب أو حسيب ويحرم هذا الموظف المسئول من الفرصة لحماية مصالحه، بل يجعل أحد المنافسين أو المديرين عديمى الضمير يفترض أن الأمور سايبة، وهنا تظهر أهمية الحماية لمن يقرع الجرس أو ينفخ الصفارة.
إن التنبيه للوقاية لهو أمر أخلاقى بالدرجة الأولى، ولكى تكون هذه المبادرات فعالة من المهم أن تكون هناك ترتيبات تسمح للموظفين فى القطاع العام والخاص وغير الحكومى بـ قرع الجرس أو نفخ الصفارة وتكون معبرة بوضوح عن الغرض الأساسى وهو تمكين المواطن الفرد العامل فى أى منظمة إدارية من إثارة موضوع يقلقه.
ولتفعيل دور المواطن (الإدارى) أو الموظف العام فى مكافحة الفساد الإدارى، لا بد من التأكيد المستمر على الربط الدائم بين الفساد والمساءلة والشفافية ومشاركة المواطن، فمواجهة الفساد الإدارى تتطلب المساءلة والشفافية ومشاركة المواطن. فالمتغير التابع هو الفساد الإدارى، والمتغير المستقل الأول هو المساءلة والمتغير المستقل الثانى هو الشفافية والمتغير المستقل الثالث هو مشاركة المواطن.
قم بالتسجيل مجانًا وكن أول من يتم إعلامك بالمنشورات الجديدة.