فى إطار إعلان السيد رئيس الجمهورية عام 2022 (عامًا للمجتمع المدنى) يجىء هذا المقال ليلقى بعض الضوء على أحد مداخل تحسين عملية صنع السياسات العامة وهو تعزيز مشاركة المجتمع المدنى (المواطنون), ذلك أن صنع السياسات العامة يحتاج إلى فاعلين، أولهما الطرف الحكومى متخذ القرارات والقائم على ضمان سلامة تنفيذها، والثانى المجتمع، ومن ثم لدينا صانعو السياسة الرسميون والمشاركون غير الرسميين.
الفاعل الأول يضم الهيئة التشريعية، السلطة التنفيذية، والمحاكم، بينما يضم الثانى- الأحزاب السياسية- الجمعيات الأهلية- الغرف التجاربة والصناعية- النقابات والاتحادات العمالية والمهنية- الإعلام غير الرسمى– والأفراد المواطنين.. وصفة المشاركة غير الرسمية هذه قائمة لأنه مهما تكن أهمية الطرف الثانى فى قضايا معينة فإنه لا يملك سلطة قانونية لاتخاذ قرارات ملزمة، وهذا الطرف المشارك هو ما نطلق عليه إجمالًا المجتمع المدنى، والواقع أنه تعددت تعريفات هذا المفهوم حتى بلغت أكثر من سبعين تعريفًا وإلى حد أن وصفت إحدى الدراسات المهمة هذا المفهوم بأنه أكثر الأفكار غموضًا.
لكن إجمالًا يعرف المجتمع المدنى بأنه مجموعة التنظيمات والمؤسسات التى تنشأ بـ الإرادة الحرة لأبناء أى مجتمع فى استقلال نسبى عن المؤسسات الإرثية مثل الأسرة- العشيرة- القبيلة من ناحية، وعن الحكومة ومؤسساتها من ناحية أخرى، إنها كيانات وسيطة بين العائلة والحكومة .
أما السياسات العامة فهى على وجه العموم مجموع الأنشطة الحكومية التى تؤثر فى حياة الناس، سواء قامت الحكومة بهذه الأنشطة بنفسها أو من خلال وكلاء لها. إنها مجموعة أو سلسلة من القرارات أو البرامج تتعلق بمجال معين كالتعليم، الصحة، الإسكان وما إلى ذلك.
ومشاركة المجتمع المدنى (المواطنون) فى عملية صنع السياسات العامة واهتمامه بالشئون العامة يجد أساسًا له فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، والتى أعلن بشأنها الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان فى مصر. والفرد المواطن يشارك فى صنع القرارات بأمثلة عديدة مثل التصويت على التشريع، التصديق على التعديلات الدستورية، القضايا الخاصة بالضرائب، وإن كان كثير من المواطنين فى مختلف دول العالم بصفة عامة، يعزفون عن هذه المشاركة، وربما يفضلون الانخراط فى نشاط حزبى أو الانضمام إلى جماعة ضغط أو ما شاكل ذلك.
وإذا ما أرادت حكومة ما تعزيز علاقتها بالمواطنين فإنها تسعى إلى ذلك من خلال ثلاثة محاور رئيسة هي: المشاركة الفعالة: إلى جانب ما تقدم هناك المؤتمرات- الحوارات- المناقشات- لجان الاستماع ...الخ. نشر المعلومات: مزيد من الشفافية. التشاور: الحديث عن الشراكة.
وهذا التعزيز والدعم للعلاقة بين الحكومة والمواطنين يؤدى إلى ثلاث نتائج مهمة هى باختصار يناسب المقام: صنع وصياغة سياسات عامة أكثر رشادة. زيادة الثقة فى الحكومة. تعزيز الديمقراطية.
ويظل على الحكومة التى تسعى إلى تنفيذ هذه الأهداف أو الوصول إلى هذه النتائج أن تقوم بما يلى بكفاءة: الاستجابة للمطالب الشعبية بزيادة الشفافية والخضوع للمساءلة ومن ثم بناء وتدعيم الثقة. الوفاء بتوقعات المواطنين من خلال أخذ آرائهم فى الاعتبار ومراعاة وجهة نظرهم أولًا ومعاملتها باحترام. مواجهة حالة عدم المشاركة أو بمعنى آخر تنشيط المواطنين. العمل على إيجاد الحلول وليس استنساخها. المواءمة بين السياسات المتناقضة. تحمل النقد البناء واعتماد الحوار كآلية للتفاهم.
والخلاصة أن إعمال ما تقدم إنما يصب فى النهاية فى مصلحة الوطن حيث يستفاد من إثارة منظمات المجتمع المدنى (المواطنون) لبعض القضايا ضمن جدول أعمال السياسات العامة وتوفير بيئة مناسبة للتفاعل بين المواطنين والحكومة، ومن ثم صنع سياسات عامة أكثر رشادة.
قم بالتسجيل مجانًا وكن أول من يتم إعلامك بالمنشورات الجديدة.