مقالة تصنيف عام

ذكرى ملحمة تحرير طابا

ابتداءً نتقدم بتحية إجلال وتعظيم سلام لفريق اللجنة القومية العليا للدفاع عن طابا والتى تشكلت فى 31 مارس 1985 من خيرة القانونيين وصفوة الدبلوماسيين ورجالات القوات المسلحة وخبراء المساحة الذين وفروا وقدموا كل ما لديهم من خبرات وعلم وجهد وإصرار من أجل استرداد (طابا) ذلك الجزء الغالى من وطننا الحبيب, لينتهى النزاع مع اسرائيل إلى حكم هيئة التحكيم الدولية والذى أكد حق مصر فى ممارسة سيادتها على كامل ترابها وكل إقليمها، وصار يوم التاسع عشر من مارس من كل عام عيدًا من أعيادنا الوطنية المجيدة.

ثم لنتذكر أنه خلال ثلاثة أرباع القرن ثارت مشكلتان بشأن طابا تتعلقان برسم خط الحدود الفاصل بين مصر وفلسطين وفى كل منهما تثور أزمة سياسية، الأولى بين مصر (التابعة للدولة العثمانية وقتها) وتركيا وكان جوهرها محاولة انتزاع الأخيرة طابا من السيادة المصرية عام 1906م، والثانية بين مصر وإسرائيل عند تنفيذ بنود معاهدة السلام بينهما وذلك بشأن تنظيم علامات الحدود، كما هو منصوص عليه فى المادة الرابعة (3-D) من الملحق رقم (1) من تلك المعاهدة.

وإذا كانت الحدود قانونًا، تعنى موضع الالتقاء والتقابل بين دولتين لتحقيق الاتصال بينهما من جانب ومحلًا للتمييز والفصل بينهما كوحدات سياسية مستقلة من جانب آخر، ومن ثم هى خطوط تبين نطاق واختصاص كل منهما التشريعى والقانونى ونطاق سريان أحكام سلطاتها العامة، فإنها ليست فى حقيقةالأمر مجرد خطوط ترسم على الخرائط يسهل تغييرها بل هى خطوط تكتسب قوة بمرور الزمن وتدعمها الاتفاقيات الدولية ويحميها القانون الدولى العام.

والواقع أن إسرائيل لم تثر أى مشكلة بشأن خط حدود مصر الشرقية حتى توقيع اتفاقيتى فك الاشتباك بين القوات المصرية والقوات الاسرائيلية (14 مايو 1974م و1 سبتمبر 1975م) ثم اتفاقية كامب دافيد فى 17 سبتمبر 1978م بل وحتى فى معاهدة السلام المشار إليها ، ولكنها جاءت لتتوقف عن إتمام انسحابها الكامل خلف الحدود الدولية فى 25/4/1982م، وهو التاريخ المحدد فى الملحق رقم (1) المذكور آنفا، وأثارت نزاعًا بشأن مواضع العلامة (99) أولًا، والعلامات (56،52،51،46،27،14،7) ثانيًا والعلامات (88،87،86،85) ثالثًا وبدأت المفاوضات بشأن هذه المسألة واستغرقت نحو 53 شهرًا منذ بدايتها فى أبريل ١٩٨٢ م حتى الموافقة على اللجوء إلى التحكيم الدولى فى سبتمبر1986م.

ويمكن القول إن الحكم النهائى لهيئة التحكيم صدر فى 29 سبتمبر 1988م لمصلحة مصر، وهو حكم نهائى ملزم وبإقراره يعد حكمًا كاشفًا بمعنى أن حق مصر فى المواضع التى حددتها ليس حقًا مبتدءًا مستمدًا من الحكم وإنما هو حق ثابت وسابق على الحكم منذ أن كانت فلسطين تحت الانتداب.

وتأكدت هذه الصفة الكاشفة للحكم فى ذهن الهيئة عندما قررت أن يعهد بتنفيذ الحكم إلى جهاز الاتصال ويمكن حتى الاستغناء عن التنفيذ لأن وضع علامات الحدود على النموذج الذى أشارت إليه فى مواقعها المحددة إنما هو إجراء مادى بحت لا ينشىء حدودًا وإنما ييسر التعرف عليها.

وبصدور ذلك الحكم وتوقيع اتفاق طابا الخاص بالتعويضات والإجراءات فى فبراير 1989م وباتمام الانسحاب الإسرائيلى وإزالة كل مظاهر الوجود الإسرائيلى فى طابا ورفع العلم المصرى عليها فى مارس 1989 يكون الستار قد أسدل على مشكلة طابا التى أثارتها إسرائيل عام 1982م، بتأكيد انتمائها للوطن الأم (مصرنا الحبيبة).

وتجدر الإشارة إلى أن طابا ذات أهمية خاصة حيث نجد تلخيصًا دقيقًا وافيًا لذلك فى مذكرة القائم بأعمال المعتمد البريطانى فى مصر مع بداية أزمة عام 1906م، المشار إليها سابقا، إلى حكومته فى لندن والتى جاء فيها (طابا نقطة تقع على الساحل الغربى لخليج العقبة على بعد خمسة أميال، وهى نقطة مهمة لقرب الآبار فيها، كما أنها تتحكم فى طريق غزة) والتفصيل فى شأن هذه الأهمية يطول فقط ننبه إلى أنه إضافة إلى توفير المياه العذبة كمصدر وحيد فى الصحراء والأهمية العسكرية واعتبارها نقطة حاكمة على طرق غزة شمالا- العريش غربًا- شرم الشيخ جنوبًا، فإنها أهم منتجع سياحى على ساحل البحر الأحمر وخليج العقبة.

لقد كان أسلوب إدارة أزمة تحرير طابا، وما اتسم به من تعاون وتنسيق بين مختلف أجهزة الدولة وتضافر الجهود الحكومية مع إسهامات الخبراء والمتخصصين فى سبيل تأكيد حقوق مصر المقدسة مثالًا مشرفًا للوطنية فى كيفية إدارة الأزمات بشكل فعال.

> الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة

اشترك في نشرتنا الإخبارية

قم بالتسجيل مجانًا وكن أول من يتم إعلامك بالمنشورات الجديدة.